الأحد، 3 مارس 2013

وقفة على قبر صلاح جلال

وقفة على قبر صلاح جلال
بقلم الشاعر/ ناصر صلاح
----------------------------------

وجايز اموت وانا بادئ قصيده جديده من قبل اما اكملها
وجايز اموت وانا فى جمله باحاول انى اجملها
وجايز اموت وانا خارج يادوب من قلب دوامه وداخل قلب دوامه
وجايز اموت وانا نفسى فى حاجات ياما
من هنا من كلمات وحيد الدهشان – اطال الله عمره- فى قصيدته ( كلام قبل الرحيل) ومرورا بكلمات الراحله المبدعه ليلى محمد على – رحمها الله – حينما رثت نفسها وتوقعت مشهد موتها كما حدث بعد اسابيع بالتمام.
ويجى الموت فى ليلة العيد ساعة مطره
من هنا أدخل الى قصيدتين للراحل الخلوق المبدع صلاح جلال، احداهن انتبه لها الجميع وتحدثوا عنها وعن رثاءه لنفسه فيها ، والثانية التى أظن انها سابقه عن الرثاء لم ينتبه اليها احد رغم أنها من وجهة نظرى هى البداية الحقيقية لقصيدة الرثاء رغم انها بالعاميه والأخرى فصيحة.
الرثاء هذا الغرض الشعرى الأصيل وهو أقرب الأغراض الشعريه الى نفس الشعراء العرب لما يحمله من حزن وشجن ومشاعر شفافة مرتبطة بالدموع والفراق واللوعة.
عرف الناس الرثاء من حيث أن يقوم الشاعر برثاء غيره وبقدر عمق التجربة وقوة تأثير الفقيد فى نفس الراثى ومدى تأثر الراثى بلحظة الفقد يكون النص بديعا، كما فى نصوص كثيره فى الشعر العربى من اشهرها رثاء الخنساء لأخيها ومن ابدعها قصيدة الأنبارى فى الوزير ابن بقية البغدادى والتى مطلعها ( علو فى الحياة وفى الممات لحقا أنت احدى المعجزات) ومن اصدقها رثاء شوقى لحافظ وكان مطلعها (قــد كـنتُ أُوثـرُ أَن تقـولَ رِثـائي يـا مُنْصِـفَ المـوْتى مـن الأَحيـاءِ).
أما مسألة أن يرثى الشاعر نفسه فهى قليلة فى العصور السابقة ربما تعد على الأصابع مثل تجربة مالك بن الريب وأبى فراس الحمدانى ، لكن فى العصر الحديث أصبحت ظاهرة ملفتة للنظر ربما لأن ضغوط هذا العصر وما يفتقده من قيم وشيم وصفات جعلت الكثير من مرهفى الإحساس يتمنوا الموت والخلاص من هذه الدنيا الظالم أهلها.
نعود الى صلاح جلال الذى تعرفت اليه فى بداية التسعينات ولم يدم بيننا اللقاء لإنشغال كل منا فى عمله لكن ظلت المودة وظل تأثير صلاح جلال الخلوق المهذب المبدع النقى فى نفسى اذكره دائما بالخير.
إن أمثال صلاح جلال من من يحملون قضايا أمتهم وهموم وآمال شعوبهم فى قلوبهم لابد وأن تكون لهم سجايا مختلفة عن غيرهم، تبدو جلية من خلال ابداعاتهم وتشرق من بين طيات حروفهم تجد لعباراتهم مذاقا خاصا ولمعانيهم عمقا مختلفا كما سنرى.
وقفت أمام رثاء صلاح لنفسه لكن استوقفتنى قصيدة أخرى كانت شرارة قصيدة الرثاء ومدخلها وكأن صلاح كان يهدد وينذر ويحذر من أنه سيرحل والقصيدة بالعامية يحدث فيها الوطن ويقول:
وماشى يا وطن ماشى ومتشكر أنا ماشى
وعينى اللى انت ابكيتها وما اهتميت بدمعتها
كانت بتبات وتحلم بك ولو تزعل ما تهناشى
لكن يالله باقولك ايه انا ماشى
ويستمر صلاح جلال فى معاتبة الوطن الذى لم يشعر بعطاء ابناءه الذين يضحون من أجله ، ويقول فى بعض المعانى الرائعة:
انا ماشى ومش ندمان
ماهو برضه حرام يعنى
أعيش سقه واموت عطشان
وابات اغزل على نولى جلاليبك وانام عريان
انا ماشى وجوايا الألم مكبوت
وباسأل نفسى ميت مره وانا شايف بعينى الموت
صحيح كلمة وطن ( حنان أمك 00قو000جنة لسكانها 00آية00)
ثم فى نهاية القصيدة يبدأ صلاح جلال الاشارة الى النهاية يبدأ رثاء نفسه:
عموما يا وطن هانت
سفينة الموت على المرسا أهى بانت
وليل البحر مستنى..بإيدك يا وطن يالله وشيلنى
لكن تسمح لى أتمنى؟ باقول يعنى دا لو ممكن؟
لو ارجع لك غريق عايم على شطك
باقول ممكن تسبلنى ... تبص فى عينى لو مره تكفنى
تدفينى ولو مره وتحضنى
وتبكى حتى لو مره ولو كانت دموع مره
هنا يرثى صلاح نفسه لكنه فى الحقيقة رثى الوطن قبله فالوطن الذى يضحى بأبناءه ولا يقدر جهادهم لا يكون وطن بل فخ كما قال الابنودى ( وطن دا وللا فخ).
كانت قصيدة ماشى مدخل ليتحول حديث الرثاء من عتاب الوطن الى صلاح نفسه ، لحظة المكاشفة مع النفس ( حاسبوا انفسكم قبل أن تحاسبوا)، فى نص صغير وبسيط لكن وكأن جلال يلقن نفسه الشهادة:
غدا يا صلاح تجف الحروف وتُسلم لله هذا القلم
غدا يحتويك ثرى اللاحدود فلا ثمّ غير لماذا وكم؟
وخوف وهم وبالذنب انت غدا متهم
وماذا اشتهيت وعن ذلك الشعر ماذا كتبت
وأين ذهبت وفيم قضيت حياة النعم؟
صلاح جلال يفتح كشف حساب ويعرض عريضة الاتهام يصفى أعماله قبل الرحيل ويذكر نفسه ثم يدمع دمعة الفراق ، دمعة الذى يشتاق لرفاقه وأحبابه:
غدا لن تكون رفيق الرفاق ولا بينهم
ليس فقط دمعة الفراق على الرفاق ولكن يلتفت الى البيت الذى لابد – مهما حزن لفراقه- من النسيان فهذه سنة الحياة ليس نسيان صلاح وانما نسيان آلام لحظة الفراق فى زحمة الحياه وثقل المسئوليات:
سيأتى الصباح على البيت حلوا كأن لم تكن
ومهما يكن من بكاء العيون
ومهما اكتوت بالفراق الجفون
فلن يبق منك سوى كان كان وبعض الظنون
ان صلاح جلال حزين على نفسه ويرثيها ويستشعر لحظة الفقد كم هى مؤلمه وهذا من اصعب آلوان الرثاء لأن مشاعرك مقسمة بين الراثى انت والمرثى أنت فيكيف يكون الشجن:
غدا يا صلاح يقام العزاء لروح طوتها عيون السكون
غدا يا صلاح .. غدا لن تكون
وأنا اقول لصلاح غدا وبعد غد والى يوم الدين ستكون بحروفك الخالده واخلاقك الكريمه وسيرتك الطيبه وما أصدق قول يس الفيل
فغنى لحنك وارحل .. فالدهر باللحن أدرى

الاثنين، 25 فبراير 2013

فراءه فى قصيدة الغريبه لخليل شيبوب


الغريبة وخليل شيبوب
بقلم/ ناصر صلاح

     سألني احد الأصدقاء كيف تدرك أن نصا ما نتاج تجربة صادقه أو أنه نتاج معايشة لتجربة غيره؟ فقلت له ببساطة شديدة إذا وجدت نفسك تعود الى قراءة نص ما عدة مرات  فاعلم أنه مس داخلك وترا ومادام مس داخلك فهو بالتأكيد نتاج تجربه صادقه أصيلة.
     نعم والتجربة قد تكون لحظة يحسن الشاعر القبض عليها أو بمعنى أصح تحسن اللحظة والتجربة حبس الشاعر داخلهما وتعصراه عصرا ليخرج رحيقه وعبيره.
     ودائما ما كنت أقف أمام نصوص من هذه النوعية أرتشف منها المتعة وأتيه بشذاها ومن هذه النصوص قصيدة الرائع خليل شيبوب " الغريبة" هذا اسمها وهذا أيضا سمتها وهذه قصتها وخاتمتها الرائعة ، التى تدل على عبقرية  شاعر رغم شهرته فى وقته إلا أن كثيرا من أبناء جيلى لا يعرفونه جيدا ، وسيرته الذاتيه طويلة ومعقده أتدرون أن تاريخ ميلاده مختلف باختلاف المصادر  لكن من المؤكد أنه ولد فى اللاذقية قبل عام 1895 وأنه ارثوذكسى وجاء الى الاسكندريه بعد سن 16 عام ولو تركت القلم للحديث عن الشاعر ومعاناته لما كتبت شيئا عن نصه الجميل فتعالوا نستمتع بالنص.
     هو لحظة لكن الشاعر جعل منها قضية وجعل من القضية وجعا خاصا إستعرض من خلاله مشاعر متناقضة  رغم تشابهها فى الناتج النهائي، لحظة ربما تمر بنا عشرات المرات قد ينتبه البعض لها وقد يهملها البعض الأخر، قد تؤثر فى مشاعر البعض فينساب تعبيرا وقد تمر مرور الكرام على البعض الأخر، ما هي تلك اللحظة ؟ هى أن تفاجأ بعيون تداعبك من بعيد، ماذا سيكون رد فعلك؟ تعالوا نعيش اللحظه والتجربه مع خليل شيبوب:
مكحولة العينين ذات لمى .. أحوى وثغر رائق الشنب
البدر يطلع من ترائبها .. والشمس صفحة خدها الذهبى
ويزين لبتها بجوهره .. نوط كنظم السبعة الشهب
فكأن نور الدر زاد سنا .. وجه بنور الحسن منتقب
وكأن زنديها بياضهما .. عاج زها فى قالب عجب
     هكذا بدأ خليل شيبوب يقدم اوصافا لا يستطيع أحد أن يقف امامها الا وهو مسحور ومشدود فى انتظار الأتى بعد ذلك ، إنه يقدم تقريرا عن جسم الجريمة الجميلة إن جاز لنا التعبير، ولن أقف عند هذا الوصف الذى استمد بعض مفرداته من ثقافته التى تربى عليها فى الشعر العربى القديم لكن فقط أشير الى صورته الجميلة التي هزتني ومازالت فى مخيلتي أدهش وأبش لها قوله ( وجه بنور الحسن منتقب).
ولنبدأ فى استجواب شيبوب لمن تلك المواصفات وما قصتها معك :
جلست الى رجل يحدثها .. فى محفل مجموعه لجب
يصغى اليها وهو منهمك ..  معها ببعض الأكل والشرب
وجلست فى سهوى حيالهما .. لاهى النواظر غير مرتقب
متفرد بين الجموع بما .. عندى من الحسرات والكرب
     بدأ شيبوب يدخل إلى مسرح الأحداث بدأ يمر بكاميرا المشاعر ليلتقط لنا لحظة التجربه ويضع يده بسهولة على جراحه ويصف حاله ببساطة شديده دون اطالة مملة ويمنى نفسه ويلوم غريمه لكن ماذا بعد يا شيبوب:
لكنها أخذت تخالسنى .. نظراتها عمدا بلا سبب
فتدير نحوى الوجه فى لهف ..وتدير عنى الوجه فى أدب
تصغي له وتكاد تبسم لى .. فى جرأة طورا وفى رهب
وتمد ألحاظا قد اخترقت .. بالسحر ما فى القلب من حجب
     " هى راودتني عن نفسى" لكن شيبوب لم يستعصم لقد كان يمنى النفس أن يكون مكان المشغول عن ساحرته بالشراب والطعام وفجأة وهو فى هذا التمنى يجدها تشاغله وتداعبه بنظراتها، تأملوا دقة شيبوب فى ( نحوى وعنى وفى لهف وأدب وفى له ولى وفى جرأة ورهب ) إنه يجيد تلألأ التضاد، لقد فعلت بقلبه فعل السحر، وماذا بعد يا شيبوب فى هذه المطارده الغريبه:
ماذا تريد ولست أعرفها .. حتى اسلم وهو لم يجب
إن الذى جلست تحدثه .. يبدو محبا والمحب أبى
تجنى عليه إذ تخالسنى .. نظراتها فأراه وهو غبى
فعلام تدنيه لتبعده .. وعلام ترضيه على غضب
وعلام تغرينى وما عرفت أصلى ولا فصلى ولا حسبى
ما راقنى أن يستباح لها .. حلمى وأن يلهى ويعبث بى
     بدأت مشاعر الشاعر تستجيب لنداء العيون وسحرها ، بدأت الأسئلة داخله وبدأ يحلم لو قام وسائلها بنفسه وسلم عليها، لكن ماذا عن الجالس معها والتى تظلمه وتخدعه ؟ ولما تجالسه وهى تنظر لغيره ؟ ولماذا انا بالذات وبرغم سعادته الا أنه قلق أن يترك نفسه للحظه وأن يستسلم لسحرها  وعينيها بحلمه وأمنيته، ومازال شيبوب يلعب بتضاده الساحر ليمتعنا:
لكنها بقيت تخالسنى .. نظراتها وتجد فى لعبى
وصديقها عن ذاك فى شغل .. يصغى لما فى الحقل من صغب
فشعرت أنى قد فقدت هدى .. نفسى وأنى جد متضطرب
وتزيد فى غزلى ومشغلتى .. سيان فى صدق وفى كذب
حتى تركت لها المكان ومن .. فيه ورحت ولم أرح تعبى
     أرأيتم وقائع الصراع المرئي والمحسوس ، أرأيتم رغبة الشاعر ومتعته وحزنه على غريمه الغافل وخوفه على قلبه الذى ذاب والذى اصبح لا يهمه أهى صادقة الاحساس ام كاذبة ، وما الحل ؟ الانسحاب السريع وهو مجروح ينسحب وهو مشتاق للإستمرار فى حلبة الصراع رغم ما يعانيه ولذا كان ختام البيت أفضل تعبير عن حالته ( ورحت ولم أرح تعبي).
     هل انتهى الأمر بالانسحاب لا ، ربما انتهى المشهد لكن ما اصعب اثاره ونواتجه ، فقد بدأ الشاعر يراجع شريط اللحظة الممتع فى حوار مع النفس اللاومه والحائرة والمتعبه معا:
يا بنت سامحك الإله على .. ما هجت فى صدرى من اللهب
أيقظتى فى قلبى لواعجه .. ودعوته عرضا فلم يجب
عجبا لصبر القلب عنك ولى .. قلب على حب الجمال ربى
حواء ما انتسبت لأدم فى عدن .. بغير الحسن من نسب
فأقره دون الخلود لنا .. وكذا ورثناه على الحقب
ما كنت أجهل ناظريه وقد .. منا الى بكل ما سبب
لكن تعارضت الطريق بنا .. حتى تباعد كل مقترب
فإذا الحياة مضلة وإذا .. معنى الخيانة جد منقلب
     أرأيتم ماذا بداخل شيبوب وفلسفته ومنطقه راجعوا علاقة حواء بأدم فى الابيات، أرأيتم كيف تحامل على نفسه وكيف تألم أيضا لهذا التحامل، تعالوا نرى إلى أى مدى كان صبره:
كم عدت مرتقبا هناك وكم .. حاولت لقياها ولم أصب
فى طفرة عفو الحياة أتت .. منهوبة لشقاء منتهب
بل نظرة كالبرق قد ومضت .. أب الدجى والبرق لم يؤب
يا من جهلت ومن عرفت ومن .. ودت تفرج هم مكتئب
ذنبى مراعاة الحقوق وإن .. هى أوردتنى مورد العطب
وأمانة للناس توجبنى .. إغفال حق غير مكتسب
لكن حسنك أنت ربته .. والحسن فوق العرض والطلب
خالفته جهلا فأوقفنى .. فى العمر بين الويل والحرب
     هكذا مازال الصراع الداخلي مازال الشوق الذى فجرته الساحرة ونفس الشاعر الأبية التى تحفظ الحقوق ولا تحب الخيانة والخداع ، الصراع ما بين الحلم والتمنى بين الأمانة والنبل وكلاهما مر.
إن كنت غبت الدهر عن نظرى .. فجمال ذاك الوجه لم يغب
وأظل اذكر ناظريك وما .. غزلاه من سحر ومن عجب
والكحل فى عينيك مبتسما .. والثغر احوى رائق الشنب
والنوط والدر النظيم به .. والمعصمين وخدك الذهبى
فيقيم أشجانى ويقعدها .. يوم لقيتك فيه عن كثب
إنى تعذبنى وتسلينى .. رشدى فرشدى أى مستلب
ذكرى فتاة حاولت صلة .. بفتى فخاب بها ولم تخب
جهل لعمرك لا يسوغه .. دفع الخيانة عن أذل غبى
هذى الغريبة ربما شعرت .. فى العمر أنى جد مغترب
     من أمتع مقاطع القصيدة وهذه النهاية التى قد يرى البعض أن لا قيمة لها حيث يعيد من خلالها مدخله الوصفى الى القصيدة ، لكن تلك الاعادة تؤكد أن التجربه عميقه وأثارها قوية ومشاعره صادقه وأن الصراع العاطفى والنخوة لديه مازال قائم حتى بعد  انتهاء المشهد، لكنه أنهى القصيدة ببيت أراه بداية لقصيدة أخرى أكثر وجعا، بيت التمس فيه العذر بعد أن اتهمها باستغباء وخيانة غريمه، بيت تلمس فيه جراحه وكأنه أراد أن يكف عن جلدهما معا فقال ( هذى الغريبة ربما شعرت فى العمر أنى جد مغترب).

الأحد، 17 فبراير 2013

القدس رائعة محمد التهامى

القدس رائعة محمد التهامى
بقلم الشاعر/ ناصر صلاح
حرفوش المجذوب
===============
منذ زمن لم امسك القلم لأخط انطباعاتى حول نص من النصوص الكثيرة التى امتعتنى وتركت فى نفسى اثارا ، ربما لأن الدافع الرئيسى وهو أن يتفاعل الناس مع هذه الانطباعات قد انتهى بإغلاق جريدة الأسرة العربيه التى كانت تنشر لى تلك الانطباعات على مساحة نصف صفحة، وربما لأن اخر ما سطرته منذ سنوات عن اشرف فايز نشرته الجمهوريه دون وضع اسمى عليه فكأنه بقلم مشرف الصفحه أى سرقة علنية ولم تعتذر، وربما لأن ما كنا نحياه فى العهد الغابر مازلنا نحياه الأن رغم الأمل فى التجربة الاسلاميه التى تجد من العوائق على يدى أهلها أكثر مما تلقى على أيدى أعدائها، وربما.... وربما....
لكن الذى انا على يقين منه أننى عدت الى الكتابة الأن لأن بداخلى نزيف متواصل من جرح كبير صنعته بيدى ، عدت للكتابة للتعبير عن جرح مشابه مع الفارق أنه أكبر ونزيفه أكثر تدفقا فتت فى عظام وأمال أجيال وأجيال ، عدت لأن أدمعى فى زحامها على بوابة العين انهارت الى الأحشاء فباتت تحرقنى وتزيد من مواجعى القاتله فأردت أن أشغلها بدموع أمه على قلبها النابض.
فما كان أمامى سوى القدس هذا الجرح الغائر فى عمق عمر الأمة هذا الجرح النازف فى عروق الشعوب وشرايين العرب، كان لابد من الوقوف أمام القدس الرائعه لمحمد التهامى، هذا الشاعر العملاق الذى يكفى أن تقول عنه – اتفقنا او اختلفنا حول شخصه – أنه من أبرز شعراء الأمة عبر تاريخها بموهبته وابداعه وثقافته.
أما – القدس - النص فهو شجى ممتع بآلامه وأماله، مختلف الملامح عن اى قدس أخرى لأى شاعر أخر، بدأه التهامى بالغزل كعادة الشعراء القدامى لكنه غزل بالقدس نفسها فهو لم يقف على أطلال المحبوبه أو يفتخر بأمجاد العروبه بل حلق على اجنحة ( فعولن.. فعولن.. فعولن.. فعول) استخدم بحرا يجرى فيه ويجرى به ويجرى معه يسابق الأنغام والأحلام ويشدوا منفردا بواحدة من أجمل ما كتب فى القدس.

كثير ببابك شتى الصور وأكثر منها لديك العبر
وذكراك أعيا لسان الزمان لعمق الحكايا وطول السير
أيا قدس يا ملتقى الأنبياء ومن ذاق أمر السما فأتمر

كانت هذه البداية ببيت جمع فأوعى وأوجز وعبر وترك للمتلقى مساحة التذكر والتذكار لأحداث من قديم الزمان الى الأن وألحقه ببيتين لا يقلا روعة واحساسا وتعبيرا عن سابقهما.
ولابد لنا أن نقف أمام الصور الشعرية الخلابة بين ثنايا أبيات التهامى الهادئة هدوء إلقائه فتقرأه كأنك تسمعه وتسمعه كأنك تقرأه .
تأملوا معى الصور والمعانى المتلاحقه والمتلاحمه والممتعه:

تربى النبيون فى حجرها وأرضعت الحق حتى كبر
وضمته فى الدفء أحضانها وساقته أنفاسها فانتشر
ولما حَبى واستوى فوقها أتتها الملوك تقص الأثر
ودقت شعوب على بابها فهذا يحج وذا يعتمر
وأول خيط الهدى عندها وأخره فوق كل البشر

أرأيتم تغزل التهامى فى محبوبته القدس؟ أرأيتم كيف استخدم التاريخ ألوانا من الزينة حول محبوبته ؟ إنه يعدد محاسنها ويشدو بنسبها ونسج من أول ضوء للهداية لأخر ضوء سحابة من نور فوقها، بل صنع ما هو امتع وأعمق انتقل الى مكه يلتقط صورة ويعكسها بكاميرا الشعر الدقيقه الى القدس ثانية يقول:

ولما بمكة هل الضياء فأعشى قريشا وزاغ البصر
وغطوا عن النور أنظارهم لكيلا يشد الهدى من نظر
عناد مشى فى ظلام النفوس وداس على كفرها فانفجر
ظلاما يلم خيوط الضياء ويبلع فى جوفه ما ظهر

نعم ماذا حدث يا تهامى كيف تم التخلص من هذا الظلام والظلم الذى عبرت عنه بابيات قليله اختصرت نصف السيره النبويه اختصرت سيرة القساه قلوبهم وتعذبيهم للمؤمنين ، ماذا حدث للخروج من هذه الدائرة المظلمة يقول التهامى:

تدلى على القدس خيط الرجاء وكان الهدى والمنى المنتظر
وفُتح فى القدس باب السماء وجاء لنا المصطفى بالخبر
فيا قدس يا راحة للقلوب ويا سورة من طوال السور

أرأيتم نقل الكاميرا بين الأسباب والنتائج بين مكه والقدس أرأيتم كيف يختصر دون خلل أحداث وأحداث بعبارات معبره وممتعة إنها الموهبة وصدق المشاعر.
ثم يسهب التهامى فى وصف قبة الصخرة وفضل المسجد الأقصى بأوصاف فصلت من ألوان الطيف يقول:

ويا صخرة لامستها السماء فلا هى نور ولا هى حجر
ولكنها بين حضن السماء وحضن التراب لها مستقر
تضىء وتغلب كل الضياء إذا قل فى جنبها أو كثر
تضىء وفى قلبها زيتها وتحسدها الشمس قبل القمر
تصلى على جانبيها الرياح ويغسلها بالعطور المطر

يا الله .. يا الله.. أنا فى متعة ونشوة أتيه فى حضرة الوصف واقف على أعتاب المعنى ، إن التهامى يحلق بصوّره إنه نص نزلت أبياته من السماء لتليق بمقام القدس.

تظل منى الروح فى ديننا وأولى مراحلنا فى السفر
ومن هانت القدس فى دينه يكون كمن هان حتى كفر

من هنا بدأ التهامى يهبط الى الآلام والجراح من هنا بدأ النزيف بدأ النزول من سماء المتعة الى أرض المحنة ، بدأ التهامى مواجعه بحكم وقانون لا يحتاج الى مفتى ولا قاضى وانما يحتاج الى فرسان العزيمه وايمان صادق ( ومن هانت القدس فى دينه يكون كمن هان حتى كفر) لماذا ؟ وكيف بنيت حكمك يا تهامى يقول:

وترك الجهاد اذا ما استبيح بلاط الشعائر إحدى الكبر

هكذا بنى التهامى قناعته وحكمه بل أنه ينبهنا الى تقصيرنا ايضا فى ضربة كرباج سريعة:

ولولا الرحيم وإمهاله هلكنا وجىء بقوم أخر

ثم ينتقل الى الشكوى للقدس وكأنه هو الأسير والمقيد بأفعال الحكام بأفعال الموكل إليهم الدفاع عن مقدسات الأمة:

أيا قدس دس المكان الجليل وغطى على الطهر رجس أشر
وسيقت لك النار خجلانة وكاد ينوح عليك الشرر

لا أستطيع إلا أن اقف هنا تأملوا وصف التهامى النار التى جاء بها الأعداء لحرق القدس خجلانة من القدس والشرر ينوح عليها لأنهما مغصوبان على أذية القدس ليس بملكيهما.

ويحرسك المسلمون الصغار على حين خاف الكبار الخطر

تأملوا الصغار فهى افادة عدة معانى منها اطفال الحجارة ومنها القلة فى العدد والعدة ومنها الضعفاء فى حين أن الكبار كالملوك بجيوشهم والمسئولين بسطوتهم وأموالهم والشعوب بقوتها فى الضغط هؤلاء الكبار خشوا من المخاطر على مصالحهم.
تأملوا هذا الساحر التهامى تأملوا وصفه القادم لأطفال الحجارة وتناصه وصفا ومعنى واسقاطا مع الطير الأبابيل يقول:

تسن العصافير منقارها وترمى على الدارعين الحجر
وتهرع عند دوى الرصاص الى عشها فى أعالى الشجر
كأن الحصاة بمنقارها رمى خالد سهمها فانتصر
كأن الأبابيل فى وصفها تعبىء أحجارها من سقر

أرأيتم وصفه لساحة المعركة والكر والفر ونوع الأسلحة ولمن الغلبه والنصر أرأيتم استدعاء خالد مع تلك العصافير ليشى بالقوة المعنوية لديها والتى تفوق القوى العدديه والعتاديه للعدو.
ثم ينقل لنا التهامى بكاميرا الشعر المبهرة حالة أهل القدس فى وصف رائع كعادته يقول:

ولى فى حمى الساجدين الكرام هناك فؤاد دعا واصطبر
فآذانه تنتشى بالأذان اذا اناح فى غباشات السحر
يهز قلوب الجبال الثقال ويرمى على الرمل دمع الزهر
يشد عمالقة ينسلون الى الصحن فى خطوات الحذر
صفوفا تحير رصد العيون أفيهم ملائكة أم بشر
كأن جباههم فى السجود عيون تجيد احتراس الغفر
فما فاتهم فى عميق الصلاة وراء الجدار دبيب الإبر
ويستغفرون العلى القدير هنيئا لهم انه قد غفر

إنها حالة سكان القدس المدافعون عنها المضحون لأجلها تأملوا واستمتعوا بتضفيره للرقة والشده فى بيت واحد:

يصلون فى غابة للوحوش تضج بأنيابها والظفر
بها الموت تخطىء أسبابه ويرميه كف جبان ذعر
فيخطىء من حوله بالعراء ويأخذ من بالجدار استتر
بهذا العمى فى حصاد الحياه تعمق إيمانهم بالقدر
وإيمانهم طوع المعجزات وألبس ثوب الأمان الخطر
وأنبت أقدامهم فى التراب فأينع تحت التراب الثمر
فلن تحرق النار عمق الحياه ولن تحصد الكف جذر الشجر

أرغب فى الوقوف امام كل بيت وصوره ولكن متعتى تمنعنى لأستمر فى ارتشاف خمر العارفين ، أقول لكم هو نص من السماء إنه تاج قصائد التهامى الثمينه تأملوا كيف أن الموت رغم أن العدو جاء به لكنه انقلب عليه، تأملوا لحظات الخطر والحذر تأملوا روعة التهامى وعشقه للقدس وأهلها .. وكفى.

بوح.........27

بوح.........27( ناصر صلاح)
=================

قل يا اللـــــــــــــــــــــــــــــــه
يتدفق نهر من إيمان
تنساب بداخلك نسائم راحه
يهتز الهم بقلبك رعبا
يخرج هرولةً
ويسوق جراحه

قل يا اللـــــــــــــــــــــــــــــــه
يتسع الصدر الضيق كونا
وتسير على الأرض هونا

قل يا اللـــــــــــــــــــــــــــــــه
وارضى بالحالة دوما
لا.. لا تحمل هما
أنت لا تدرك حكمته
لكن .. ثق وأنشد قدرته
قل يا اللــــــــــــــــــــــــــــــــه
قل يا اللــــــــــــــــــــــــــــــــه
قل يا اللــــــــــــــــــــــــــــــــه

الثلاثاء، 12 فبراير 2013

بوح..........23 ( ناصر صلاح)
=================
صباح ليس كل صباح

على طير الهوى الصداح

يناجى ربنا الفتاح

أردناها فى طاعتك

وقفنا ببابك مُداح

سكارى لا بفعل الراح

ولكن خشية وبواح

فحقق يا إلهى الخير

طيب فى رضاك جراح

بوح..........24 ( ناصر صلاح)
==================

من فرط شوقى إليك

لم أنم ليلى

من شوق ليلى إليك

لم يزل حولى


أراك فى بدره


يسمعك فى قولى

الاثنين، 11 فبراير 2013

أدى دقنى


أدى دقني
( من ديوان  من حواديت جدي)
من أغانى حرفوش المجذوب
@@@@@@@@@
وكنت اطلع على المادنه
واصلى الجمعه ويا الطير
على سطوح مسجد ابن سلام
ومهما يقول خطيب الجمعه ويزعق
ما كنتش ويا أصحابى نبطل لو دقيقه كلام
وقبل  اما الصلاه تخلص
ويتلفت يمين وشمال
نقول له سلام
وأجرى اخرج فى إيد جدى وفى حمايته
ويطلع خادم الجامع..
بخرازنته
يقابل باقى أصحابى
اللى نازلين جرى م المادنه
ويختم الصلاه بيهم
@@@@
ونقرا الفاتحه انا وسيدى لابن سلام
وكل اللى عليه سلم ويدعى له
يطاطى عليا ويسلم ويدعى لى
يجيب لى البوظه من يوسف
ودندرمه
وياخد للولاد فى الدار
شيلة يوسف
على ابو صره
يعلق يده فوق كتفى
وفجأه يقول
تصور إن كان بيصلى ويانا النوبادى حمار
واقول  له ازاى
دا جد يا جدى وللا هزار
يقول طب خطبة الجمعه كانت عن ايه؟؟
وأغرق  فى العرق والخوف
يقول لى شوف
وصدقت ان كان فى حمار
@@@@@
وقبل ما جدى يتمادى فى نأرزته
نكون فى الدار
فتتحول خلية نحل
خلانى يفرشوا الحصران
وخالاتى تجيب الأكل م القاعه
وماشيين صف بالترتيب
تقولش انفار
وستى تشيل على راسها مشنة عيش
وحلة الزفر فى ايدها
وتقعد ستى قعدتها
بجار جدى وانا بجارها
وستى تقطع اللحمه وبتوزع
ونايب جدى يبقى كبير
ونايبى كمان
ما انا لسه يا خلق صغير
ولا يفضلش غير ليها جناح رقبه
وجدى يقول يا أنيسه
مافيش حته من الرقبه
تقول له ان شالله أطفحها
ما حد واكلها إلا انت
وتييجى القطه وتنونو
فتديها الجناح راضيه
ودايما ستى كات تدى ولا تاخد
دا حتى فى يوم ما سفرت روحها للفردوس
فى ليلتها ما نامتش
وكات بتدق فى الكفته
لحد إيديها ما ازرقت
وخالاتى يقول لها خلاص يا امه
نكمل دقها بكره
تقول بكره هتحتاسوا
أكيد ليها هتحتاجوا
وصلت فجرها حاضر
وقالت للندا حاضر
ودايما ستى كات تدى ولا تاخد
@@@@
وبعد الأكل بنحلى
وفوق المصطبه نشرب
نبيذ الشاى  على القلاويح
ونار المنأده معتق
وجدى يسلك الجوزه
ويستقبل هوى العصريه ويفرق
على خلانى وخالاتى مهام الغيط
وينده فوم ياواد يا عبيط
تعا جانبى وهات واجبك
ويسمع سومه ويغفل
واهو قاعد وراكن ضهره ع الحيطه
وانا قاعد بجار منه
أكمل واجبى اورى له
يصحح لى
ومره يقول أدى دقنى
ومره يقول
هنبقى ياواد شاعر فنان
بك اتباهى وتسعدنى
ومات جدى وحزّنى
ومات جدى وبقيت شاعر
ولكن شعرى فى همومى
بيسجنى يعذبنى
ولما الذكرى بتزورنى
يسيبنى أعيش معاها ساعات
يسيبنى اشعر بإنى حى
لما بافتكر الاموات